بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
أما بعد .. أحبتي في الله .. بعد أن انتصف شعبان ولم يتبق إلا ثلاث عشرة يومًا هل تشعر أنك استعددت لرمضان على الوجه الكافي ؟؟؟؟ ما لكم ؟؟ما لقلوبكم ؟؟ هل تشعرون بنوع من قسوة القلب ؟ وجفاف الشعور ؟ وتبلد الحس ؟ وتوهان العقول ؟ وشتات الخاطر ؟ أم بفضل الله أنتم الآن في أتم لياقتكم الإيمانية تتنافسون في الطاعات والقربات ؟؟ أحبتي في الله .. لابد من روشتة سريعة ، واستنفار للهمم على وجه السرعة ( لم يعد هناك وقت ) لابد من استفاقة من هذا النعاس ، واعلموا أنَّ الله " هو الذي يسيركم في البر والبحر " لابد من إجراء عملية جراحية عاجلة لقلوبنا قبل رمضان ، وإلا كانت العقوبة " إلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " فماذا عسانا نصنع ؟ القلب هو محرك الجسم ، وكما أن محرك السيارة يحتاج للوقود فإن القلب يحتاج إلى وقود يجعله مشتعلاً طيلة السباق .. وهذا الوقود يمكن أن يتزود به العبد من عدة محطات . المحطة الأولى : ذكر الموت سيسألنا متسابق : لماذا اخترتم محطة ذكر الموت لتكون أولى المحطات التي يتزود منها المتسابقون؟ والجواب : لأن إمام المتسابقين صلى الله عليه وسلم فعل هذا وأمرنا بكثرة ذكر الموت، وتحن لا قدوة لنا غيره . المحطة الثانية : الخوف من الله كل واحد إذا خفت منه هربت منه إلا الله فإنك إذا خفت منه هربت إليه وسابقت غيرك إليه، كما قال تعالى: ) فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ(. لو تأملت أحوال السلف وجدت أن أهم ما كانوا يخافونه أربعة أمور: 1) سوء الخاتمة : عن سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن العبد ليعمل عمل أهل النار وانه من أهل الجنة، ويعمل عمل أهل الجنة وانه من أهل النار، وانما الأعمال بالخواتيم " . ولذلك كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك" . وهكذا كان النبيون من قبل ، فهذا خليل الرحمن إبراهيم يدعو : )واجنبني وبني أن نعبد الأصنام( .. ويوسف يناجي ربه : )توفني مسلماً( . فإذا كان هذا حال رسل الله وهم أكرم الخلق على الله وأعظمهم درجة ، فكيف بمن لا يساوون في جوارهم ذرة ؟!!! 2) الخوف من عاقبة المعصية : فالمعصية الواحدة قد يغفرها الله لك ، لكنه كذلك يملك أن يعذبك بها . لعن إبليس وأهبط من منزل العز بترك سجدة واحدة أمر بها، وأخرج آدم من الجنة بلقمة تناولها، وحجب القاتل عن الجنة بملء كف من آدم، وأمر بقتل الزاني أشنع القتلات بايلاج قدر الأنملة فيما لا يحل له ، ودخلت امرأة النار في هرة .. وإن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالا يهوي بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب .. فكيف لا تخاف منه سبحانه . وتأمل معي هذه القصة: في الصحيحين عن أبي هريرة : فلما انصرفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وادي القرى ونزلنا بها مع الغروب الشمس ، ومع رسول الله غلام أهداه له رفاعة بن زيد ، فوالله إنه ليضع رحل رسول الله إذ أتاه سهم غرب (طائش) فأصابه فقتله فقلنا : هنيئاً له الجنة . قال صلى الله عليه وسلم : " كلا والذي نفسي بيده ، إن الشملة التي أصابها يوم خيبر من الغنائم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه ناراً " . سبحان الله هذا رجل رآه الناس من أهل الجنة ، وكان يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن ذلك كله لم يشفع له ومعصية واحدة أدت به إلى النار . 3) الخوف من عدم القبول : مصداق هذا ما ثبت عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: ( وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ) ، قالت عائشة الذين يشربون الخمر ويسرقون ؟ قال : " لا يا ابنة الصديق ولكنهم يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون أن لا يتقبل منهم، أولئك الذين يسارعون في الخيرات " وإذا كان هذا حال من يسارعون في الخيرات ، فكيف بمن يسارعون في الآثام . 4) الخوف من الاستدراج : سنة الاستدراج سنة إلهية حذرنا الله منها ، فقال عز وجل ) أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين * نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون (. قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا رأيت الله تعالى يعطي العبد من الدنيا ما يحب وهو مقيم على معاصيه فانما ذلك منه استدراج " . [ رواه أحمد والطبراني وصححه الألباني ] إذا تزوجت النعمة بالإصرار على الذنب أنجبا جنين الاستدارج ، ولا يزال الجنين يكبر وينمو حتى يصل إلى الهلاك والخسران . قال تعالى : ) فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون (. المحطة الثالثة : لزوم الجماعة ورفقة الخير : الصحبة الصحبة .. هذه من أهم المحطات التي يتزود منها المؤمن ، ويتقوى بها . المرء ضعيف بنفسه قوي بإخوانه ، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم : " فعليكم بالجماعة فإنما يأكل الذئب من الغنم الشاة القاصية " رواه أبوداود والنسائي . المحطة الرابعة : القرآن والذكر: وإذا أردت التزود الإيماني من هذه المحطة ، احرص على الخشوع والتدبر .. بحيث يجاوز الذكر أوالتلاوة اللسان لتدخل إلى القلب . فإذا كنت كذلك، أصبح الذكر والقرآن لذتك ، وكان أشهى لنفسك من الماء البارد على الظمأ . إذا كنت تشك في هذا الكلام ، فانظر إلى الإمام البخاري محمد بن إسماعيل ، دعى إلى بستان بعض أصحابه ، فلما حضرت صلاة الظهر صلى القوم ، ثم قام البخاري للتطوع، فأطال القيام، فلما فرغ من صلاته رفع ذيل قميصه ، فإذا زنبور قد لسعه في 16 موضعاً فتورم جسمه ، فقال له بعضهم : كيف لم تخرج من الصلاة في أول ما لسعك؟ فقال: "كنت في سورة فأحببت أن أتمها" . لكل شيء حقه الذي يليق به ، ولا بد من إعطاء القرآن حقه الذي يليق به ،ومن الأمثلة الطريفة لإعطاء الشيء ما يستحقه، مثال ضربه ابن الجوزي بين الفأرة والجمل. يقول ابن الجوزي : رأت فأرة جملاً فأعجبها ، فجرت خطامه فتبعها ، فلما وصلت إلى باب بيتها وقف ونادى بلسان الحال : إما أن تتخذي داراً يليق بمحبوبك ، أو تتخذي محبوباً يليق بدارك . الفائدة من هذا المثال أنه لا بد أن تعطي القرآن حقه الذي يليق به من حسن القراءة والتدبر والعمل به ، لا كبعض الناس الذين يقرؤونه كقراءة الجرائد والمجلات